شكل العام 2002 محطة هامة في مسيرة الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تعيشه الجمهورية اليمنية منذ قيامها في 22 مايو 1990م , ودخلت السياسة اليمنية مرحلة جني ثمار الواقعية السياسية التي اختطتها منهجا لمجمل سياساتها الداخلية والخارجية.
لقد اعتمدت القيادة اليمنية سياستها الداخلية والخارجية في اتساق حريص للدفاع عن المصالح الوطنية العليا للدولة، حيث إن النجاحات التي حققتها السياسة الداخلية اليمنية أسهمت في تحفيز عوامل النجاح في السياسة الخارجية والعكس صحيح.
ويشكل النظام السياسي للجمهورية اليمنية نموذجا حيا لمعادلة الترابط والتفاعل والانعكاس النشط بين الخطابين السياسيين الداخلي والخارجي. فالنظام السياسي القائم على احترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتبادل السلمي للسلطة، وإرساء دعائم دولة النظام والقانون، اكسب الجمهورية اليمنية الاحترام والتقدير على الصعيد الدولي ووسع من دائرة أصدقاء اليمن في الساحة الدولية وأوجد تفهما لأوضاعها وظروفها.
كما أن الخطاب السياسي اليمني بمحتواه الديمقراطي داخليا وجد انعكاساته في خطاب سياسي خارجي مبنى على احترام الغير، وحق الآخرين في الاختلاف، والبحث في تحقيق الإجماع والقواسم المشتركة ورفض سياسة الاملاءات والقبول بالتعايش واحترام عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير. وأسهمت هذه النظرة الواقعية للسياسة اليمنية في مواجهة الأزمات والتطورات الإقليمية، وسهلت إلى حد كبير حركة النشاط الدبلوماسي والسياسي الخارجي، تحقيقا لأهداف خطاب الواقعية السياسية اليمنية في التعامل الإيجابي مع تطورات الأحداث الإقليمية والدولية.
وخلال العام 2002م تأكدت بشكل فاعل المكانة التي باتت تتمتع بها الجمهورية اليمنية وحضورها النشط في المجالات الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية. وكانت اليمن قد شهدت خلال العام المنصرم نجاحات كبيرة في الجهود اليمنية لمكافحة الإرهاب الذي ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة وعلى المسيرة التنموية لبلادنا.
وكانت جهود اليمن في مكافحة الإرهاب منطلقة في الأساس من الحاجة الوطنية الخالصة للقضاء على فكر الغلو والتطرف الذي يدفع إلى الحقد والكراهية ويعيق جهود المجتمع نحو التطور والنماء، ويقدم صورة مغلوطة لثقافتنا العربية والإسلامية .
وكانت دعوة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية حفظه الله، للمغرر بهم من المتطرفين للعودة إلى جادة الإسلام الحق هي شعارنا لتجسيد فكر الاعتدال والوسطية والتسامح الذي يشكل نبراسا فلسفيا لعملنا السياسي. ومن هنا تواصلت جهودنا الوطنية للقضاء على الإرهاب بالتعاون مع الأصدقاء في الولايات المتحدة وأوروبا وبقية دول التحالف الدولي.
كما شهد شهر أكتوبر من العام المنصرم انضمام اليمن إلى العديد من المؤسسات التابعة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي خطوة أخرى تؤكد المكانة التي باتت تنبؤاها اليمن ضمن إطارها الإقليمي في الجزيرة العربية، وقد عكس الانضمام التدريجي لبلادنا إلى المنظومة الخليجية مستوى الحرص الذي تبديه قيادتنا السياسية بأن تكون علاقتنا الخليجية مبنية على المصالح المشتركة والتعاون باعتبار اليمن جزء من جغرافية وتاريخ وتراث المنطقة، وعكس حكمة قيادتنا في التعاطي مع الموضوع الخليجي وفق مفاهيم بناء جسور الثقة ، وتقريب وجهات النظر، وإزالة أية تباينات بين كيان دول الجزيرة والخليج، وصولا إلى توفير المعطيات للمشاركة اليمنية الكاملة في عضوية المجلس. فالمتغيرات من حولنا تستدعي التعامل معها بمسؤولية كبيرة وبناء كيان إقليمي اقتصادي قوي قادر على التعامل مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة وتتهدد مستقبل الكيان الخليجي.
وقد استحقت اليمن تقدير المجتمع الدولي من خلال الاهتمام الكبير الذي أبدته الدول المانحة لتقديم المزيد من الدعم لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل لمعالجة الاختلالات والصعوبات التي يواجهها الاقتصاد اليمني. وكانت نتائج مؤتمر المانحين في باريس والذي التأم خلال يومي 16-17 أكتوبر، حيث تعهدت فيه الدول والمنظمات والصناديق والبنوك الدولية والإقليمية التي شاركت فيه بتقديم دعم إضافي للجمهورية اليمنية خلال الأعوام 2002-2005م بقيمة 2.3 مليار دولار مضافة إلى التعهدات السابقة بقيمة 1.2مليار دولار.وقد شكلت نتائج مؤتمر المانحين مثالا حيا لمصداقية نظامنا السياسي والاقتصادي، وسلامة الإجراءات والمعالجات الاقتصادية والإصلاحات المالية التي تحققت في بلادنا، وتأكيدا على الشراكة القائمة بين اليمن والدول المانحة.
وعلى صعيد العلاقات مع دول القرن الأفريقي، جسدت قمة صنعاء اليمنية – السودانية – الإثيوبية التي جمعت فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح بفخامة الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي، الحرص على استتباب الأمن والسلام في المنطقة وبناء الشراكة القرن أفريقية الجديدة بين دول الإقليم لتعزز مناخات الاستقرار والأمن والتنمية في المنطقة، والحفاظ على مقدرات شعوبها، كما عكست رغبة الدول الثلاث في إيجاد المعالجات الناجعة للمشكلة الصومالية، والتفاعل الإيجابي مع جهود منظمة الإيغاد لإحلال السلام في السودان.
وتتواصل جهود الدبلوماسية اليمنية لتأكيد الثوابت القومية لسياستنا الخارجية التي تدرك أن العمل الجماعي والتضامن العربي، والبحث عن القواسم المشتركة للدفاع عن المصالح الحيوية للشعوب العربية أمر حيوي في هذه المرحلة في مواجهة المخاطر التي تستهدف كياناتها وتتهدد مستقبلها المشترك.
وتحاول هذه الورقة إجراء قراءة نقدية لمرامي الخطاب السياسي للجمهورية اليمنية المبني على أسس التعايش والواقعية والاعتدال والتسامح والوسطية، ومراجعة الآليات الدبلوماسية التي تعكس أبعاد هذا الخطاب، ومدى مقدرتها واستعدادها وتأهلها لتبني هذه المهمة الوطنية السامية لحماية المصالح الوطنية العليا للجمهورية اليمنية.