الخميس 21/11/2024
01:26 بتوقيت المكلا
دوائر اهتمام ونشاط السياسة الخارجية

طالما وقفت الأوراق السياسية في تناولها للسياسة الخارجية أمام دوائر نشاط السياسة الخارجية من حيث أنها أدوات أولويات السياسة الخارجية. وتحاول هذه الورقة تقييم الثابت – المتغير في دوائر نشاط السياسة الخارجية اليمنية، في ضوء المتغيرات التي تفرضها الأوضاع اليمنية الداخلية والتطورات الإقليمية والعربية والدولية.
فمن المعروف أن الدول تقوم بترتيب أولويات سياستها الخارجية وتحديد الدوائر التي تنشط فيها بهدف التنفيذ الفعال لأهداف السياسة الخارجية خدمة للمصالح الوطنية والدفاع عنها وتطويرها وتنميتها وتوسيعها. فترتيب أولويات السياسة الخارجية وتحديد الدوائر التي تنشط من خلالها يعني منح مزيد من العناية للأولويات التي تحتل المقدمة، نظرا لارتباطها القوي بالاحتياجات الداخلية، والتي يترتب على تحقيقها حماية الدولة واستقرارها وتقدمها وتنميتها. غير أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال إهمال القضايا التي لا تحتل الصدارة في إطار ذلك الترتيب.
من هنا سنحاول فيما يلي التركيز على أولويات السياسة الخارجية اليمنية في ضوء احتياجات الدولة الداخلية، وحجم وطبيعة التأثيرات السلبية للعوامل الخارجية على بلادنا:
• تحتل المسألة الاقتصادية مقدمة أولويات وأهداف السياسة الخارجية، بل أن بعض خبراء السياسة الخارجية اليمنية يفضلون استحواذ التنمية على الخطاب الدبلوماسي اليمني، ويفضلون تركيزه على مفهوم دبلوماسية التنمية، ويختلف البعض الآخر معهم من حيث أن أولويات التنمية لا ينبغي أن تطغي على أولويات الأمن والاستقرار الداخلي والمكانة الإستراتيجية للدولة، بل أن كل هذه العناصر تكمّل بعضها خدمة لهدف حماية المصالح الحيوية العليا للدولة. من هنا فان هدف السياسة الخارجية الدائم هو بذل الجهود من اجل توسيع التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات والمنظمات الدولية، وجذب الاستثمارات العربية والدولية إلى اليمن والترويج والتسويق الخارجي لليمن، بهدف تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا فان تقييم نجاح السياسة الخارجية يعتمد على قدرتها في استيعاب أهداف ومرامي دبلوماسية التنمية اليمنية.
• تحتل الأولويات الأمنية المرتبة الثانية في سلم اهتمامات السياسة الخارجية من حيث أنها توفر المناخات الملائمة للجذب الاستثماري الخارجي، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وزيادة حجم المبادرة الخاصة في الاقتصاد الوطني، على أنها لا تقتصر على ذلك بل تتعداه إلى توفير حماية الدولة وتعزيز أمنها واستقرارها وحماية المكتسبات الديمقراطية اليمنية، فالتجربة التي مرت بها اليمن خلال السنوات الماضية وتعرضها للعمليات الإرهابية استهدفت في المقام الأول ضرب الاستقرار وتقديم اليمن في صورة الملاذ الأمن للخارجين عن القانون والإرهابيين، وبالتالي تعطيل عملية التنمية الجارية في اليمن، والقضاء على الإنجازات الديمقراطية التي تفتخر به بلادنا.
• وتحتل منطلقات الخطاب اليمني والمواقف اليمنية السياسية الثابتة تجاه القضايا الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، أحد ابرز أولويات السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية، انطلاقا من قناعتها التي تنظمها مبادئها القيميّة الدينية والأخلاقية والإنسانية. ومن هنا يمكن التأكيد على:
• تطوير العلاقات بدول مجلس التعاون الخليجي، ومواصلة الجهود المشتركة لتأهيل اليمن للانضمام الكامل إلى الكيان الخليجي لبناء شراكة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية إقليمية تقف في وجه التحديات التي تواجه دول المنطقة.
• مواصلة دعم جهود العمل الجماعي العربي، وتطوير آليات وأشكال عمل الجامعة العربية، والعمل على خلق علاقات اقتصادية عربية - عربية جديدة، وتطوير العلاقات الثنائية مع الدول العربية.
• استمرار دعم القضية الفلسطينية، وصولا إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وتحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وفق مبادرة السلام العربية.
• دعم وتطوير جهود إقامة شراكة قرن أفريقية جديدة، ومواصلة الجهود لحل المشكلة الصومالية، وتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
• مواصلة الجهود مع الدول الشقيقة والصديقة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، وتطوير التعاون الثنائي مع الدول الصديقة والمؤسسات المالية الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة، وتطوير آليات عملها وإصلاحها للعب دور اكبر في حل القضايا الإقليمية والدولية ومضاعفة التعاون الاقتصادي الدولي.
ومن خلال قراءة أولويات السياسة الخارجية تتضح الماهية التي تقوم عليها دوائر نشاط السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية. والتي يمكن إبرازها على النحو التالي:
• الجزيرة والخليج.
• القرن الأفريقي.
• الدول العربية والإسلامية.
• أوروبا وأمريكا وبقية دول العالم.
• المنظمات الإقليمية والدولية.
على انه يجب ملاحظة بأن ترتيب الدوائر التي تنشط السياسة الخارجية ضمنها، لا يعني بأي حال من الأحوال ترتيبا بالأولويات وفقا لأهمية تلك الدوائر للمصالح الحيوية العليا للجمهورية اليمنية. وهناك انتقادات متواصلة للآليات التي تعتمد من قبل الأكاديميين لتصنيف جغرافي للدوائر التي تتحرك في إطارها السياسة الخارجية اليمنية .
كما أن المصالح الحيوية للجمهورية اليمنية شهدت تغيرات من جراء تأثيرات المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، والتي بالضرورة تفرض على دوائر تحرك الدبلوماسية اليمنية تغيرات حتمية. وعلى الرغم من بقاء المصالح اليمنية التي تنطلق من مبادئ السياسة اليمنية وثوابتها والتي تجد الجغرافيا والديمغرافيا تأثيرها عليها، إلا أن زوايا الاهتمامات تشهد تغيرا يفرضه واقع الحال في المنطقة والعالم.
ومن هنا فان دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة تأثيرها على العلاقات الدولية، ولطبيعة العلاقات الثنائية الهامة التي تطورت بينها وبين الجمهورية اليمنية خلال السنوات الأخيرة في مجالات الشراكة لبناء الديمقراطية، وتطوير مناخات الحرية الاقتصادية ومبادرة السوق باعتبار الولايات المتحدة شريكا للتنمية في اليمن، ولجهود الدولتين في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، فان منطق الدوائر وأولويتها يجعلها تتموضع في الدائرة المباشرة لاهتمامات السياسة الخارجية. ونفس التصنيف ينطبق على دول أخرى في دوائر أخرى من دوائر اهتمامات السياسة الخارجية اليمنية، مثل دول الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والصين.
ولا تهدف هذه الورقة الخوض في الخلافات النظرية لدوائر نشاط السياسة الخارجية، ولا تهدف إلى تفصيل الاهتمام اليمني ضمن تحركها في دوائر نشاط السياسة الخارجية، ولكنها ستكتفي بإبراز العلاقات اليمنية الخليجية، والعلاقات اليمنية مع دول تجمع صنعاء، والعلاقات اليمنية الأمريكية.


 


  • إقرا ايضاً