الخميس 25/04/2024
10:55 بتوقيت المكلا
العلاقات اليمنية – الخليجية

أن اليمن يشكل جزءا أساسياً وجوهرياً في خارطة المنطقة، وعنصراً حيوياً في نسيجها العام تأثرا وتأثيرا، ولا تستطيع أن تكون بعيدا عنها وبمعزل عن همومها والعكس صحيح. ذلك أن  اليمن يرتبط بدول الخليج بروابط تاريخية وبنيوية عميقة تتمثل بالجوار والجغرافيا والصلات الثنائية والتاريخ المشترك والانتماء الديني والقومي الواحد، والمصالح المشتركة.ومن هذا المنطلق فان الموقع الطبيعي لليمن هو أن يكون ضمن منظومة دول الجزيرة والخليج ككتلة متراصة تشد بعضها بعضا، وتشكل كتلة اقتصادية تكاملية تمكنها من الوقوف في وجه التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية.
وفي ضوء هذه المعطيات والقواسم المشتركة كانت اليمن ومازالت تتطلع نحو المزيد من تعميق الروابط الأخوية والتاريخية والانتماء وتجذير المصالح المشتركة، والبحث عن صيغ وخطوات مدروسة تعزز التنسيق والتعاون والعمل المشترك والثقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والأمنية والدفاعية وغيرها، بما يخلق قواعد راسخة من المصالح المادية المتشابكة تتيح مناخا أوسع لازدهار التنمية المستدامة والاستقرار والأمن لشعوب الجزيرة والخليج.
لقد أولت اليمن علاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي أهمية خاصة في سياستها الخارجية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي وكانت حريصة على إزالة التداعيات السلبية لحرب الخليج الثانية. ومن هنا فقد شكل التوقيع على مذكرة التفاهم مع المملكة العربية السعودية في فبراير 1995 فرصة مناسبة للإعلان عن رغبة الجمهورية اليمنية للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. وتقدمت اليمن بطلب الانضمام رسميا في ديسمبر 1996 أثناء انعقاد الدورة السادسة عشر للقمة الخليجية في دولة قطر.
وفي قمة مسقط 2001 اتخذت دول الخليج قرار ضم اليمن إلى أربع مؤسسات خليجية كخطوة أولى لتأهيل دخول اليمن في العضوية الكاملة. وقد كان قرار قبول اليمن ضمن آليات مجلس التعاون لدول الخليج العربية قرارا تاريخيا استراتيجيا يُدخل المجلس في مرحلة جديدة من مراحل تطوره ونموه. وتم التوقيع في أكتوبر الماضي في العاصمة اليمنية على اتفاقية انضمام اليمن إلى مجلس وزراء الصحة لمجلس التعاون، ومكتب التربية العربية لدول الخليج، ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون، ودورة كأس الخليج العربي لكرة القدم.
 وسنتناول تالياً موجزاً لعلاقات اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد الثنائي للنظر فيما بعد في التكامل الإقليمي بين اليمن ودول المجلس واحتمالاته المستقبلية:
المملكة العربية السعودية:
تشهد العلاقات اليمنية – السعودية نموا ملحوظا، وتتواصل اللقاءات بين قيادتي البلدين وعلى مختلف المستويات وبين ممثلي مختلف المؤسسات والقطاع الخاص ورجال الأعمال، بهدف تحقيق قدر متعاظم من التناغم في العلاقات الثنائية والانتقال إلى مرحلة الشراكة في العلاقات اليمنية - السعودية.
فعلى الصعيد السياسي وقع البلدان في 12 يونيو 2000 على معاهدة الحدود البرية والبحرية في مدينة جدة، برعاية فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية.كما قام فخامة الأخ الرئيس بزيارة إلى المملكة في 18 أغسطس 2002، وجرى خلال الزيارة بحث مجالات التعاون المشترك والمستجدات الإقليمية والعربية والدولية، والتأكيد على أهمية التعاون لتحقيق أمن البلدين. وتسلم فخامة الأخ الرئيس في يونيو 2002 رسالة خطية من نائب خادم الحرمين الشريفين، تناولت الجهود المشتركة لإيجاد موقف عربي موحد تجاه المستجدات الراهنة ومستقبل السلام في المنطقة. وقد تجسد التنسيق السياسي العالي بين البلدين الشقيقين في التوقيع في يناير الماضي على مذكرة التفاهم للتعاون والتنسيق بين وزارتي الخارجية، حيث عقد الجانبان سلسلة من اللقاءات بغرض بلورة تفعيل المذكرة وتطوير التشاور بين وزارتي الخارجية لما فيه خدمة المصالح المشتركة.
وفي الجانب الاقتصادي تواصلت اجتماعات مجلس التنسيق اليمني - السعودي الذي أنشئ في العام 1995، وقد ناقش المجلس الذي عقد اجتماعاته في مدينة عدن في ديسمبر الماضي العديد من الاتفاقيات التنموية، وأخرى تتصل بتطوير التعاون بين الشركات والمؤسسات والقطاعات الإنتاجية في البلدين.وفي نفس الاتجاه تعمل الأجهزة المعنية في البلدين على إتمام مشروع اتفاقية لإقامة منطقة للتجارة الحرة بين البلدين لتعزيز التبادل التجاري. وقد برز الالتزام السعودي بدعم التنمية في اليمن من خلال تجديد تعهد المؤسسات المالية السعودية على هامش انعقاد مؤتمر المانحين في باريس بتقديم 300 مليون دولار للمساهمة في تمويل مشروعات الطرق ومشروعات الطاقة الكهربائية في اليمن.
ويزداد الاهتمام خلال المرحلة الحالية بتفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية في كافة المجالات، في ظل التوجيهات من قيادتي البلدين بعدم ترحيل المواضيع الهامة إلى دورات لاحقة، تحقيقا لخطوات تكاملية متواصلة بين الدولتين الجارتين.
دولة الإمارات العربية المتحدة:
واصلت العلاقات اليمنية الإماراتية تقدمها الملموس في مختلف المجالات وتعتبر العلاقات بين البلدين الشقيقين انعكاسا لتوافق الرؤى لدى القيادتين السياسيتين وتطابقهما. حيث درجت قيادتا البلدين على التنسيق المستمر في مختلف القضايا الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية.
وقد كانت لزيارة فخامة الأخ رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح لدولة الإمارات العربية المتحدة في يناير 2002 اكبر الأثر في الدفع باتجاه تطوير وتنمية العلاقات الأخوية في مختلف المجالات. ومن ابرز النتائج التي تمخضت عن هذه الزيارة الرئاسية الهامة تفعيل التنسيق المشترك وتبادل زيارات كبار المسؤولين في البلدين ومنها الزيارة الهامة التي أجراها دولة الأخ الأستاذ عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء لأبوظبي في أكتوبر من العام المنصرم، حيث بحث الجانبان قضايا التنمية في اليمن وتطوير الأوضاع الاقتصادية، واستعراض أهداف خطة التنمية اليمنية للأعوام 2001-2005 واستراتيجية الجمهورية اليمنية للقضاء على الفقر.كما أجرى العديد من الوزراء زيارات عمل لدولة الإمارات تمخضت عن التوقيع على بروتوكولات للتعاون الصحي وفي مجالات التربية والتعليم. ووقع البلدان على اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع سد مأرب بتكلفة تصل إلى 24 مليون دولار.
وخلال مباحثات رئيس الوزراء تمت المصادقة على اتفاقية تنظيم العمالة اليمنية في دولة الإمارات، في الوقت الذي حقق التعاون الأمني والعسكري في مجال التدريب والتأهيل نتائج مرضية، ونشطت خلال الأشهر الأخيرة من العام المنصرم العديد من الجمعيات الخيرية الإماراتية لتنفيذ مشاريع صحية ودور للرعاية الاجتماعية وبناء المساجد وغيرها.
دولة الكويت:
شهدت العلاقات اليمنية الكويتية تطورا إيجابيا وانفتاحا صادقا، بعد الانفراج الكبير الذي شهدته العلاقات السياسية بين البلدين الشقيقين. وجرى خلال العام المنصرم تبادل الزيارات لعدد من الوزراء في البلدين كان من أبرزها زيارة وزيري الصحة والتربية والتعليم للكويت.
كما قامت العديد من الوفود الاقتصادية والثقافية والعلمية والشعبية الكويتية بزيارة اليمن. وشاركت الكويت بفعالية في مؤتمر باريس (2) للدول المانحة ووعدت بتقديم مساهمات مالية عبر مؤسساتها الاستثمارية وصناديقها المالية لدعم عملية التنمية في اليمن. وفي الجانب الاقتصادي تم استكمال الإجراءات القانونية لإقرار اتفاقية الازدواج الضريبي، كما يتوقع قيام البلدين بالتوقيع على اتفاقية إنشاء اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين البلدين.
سلطنة عمان:
ترتبط اليمن وعمان بعلاقات تاريخية، وجاءت الوحدة اليمنية لتضيف إليها بعدا حقيقيا بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين في أكتوبر 1992. وخلال العام المنصرم كان للقيادة العمانية دورا في دعم اليمن من خلال ترأسها لاجتماعات القمة الخليجية والتي أقرت انضمام اليمن إلى أربع مؤسسات خليجية، وترتبط وزارتا الخارجية في البلدين باتفاق تنسيق في القضايا الإقليمية والقومية، وتبادل الخبرات وتقديم الدورات التدريبية.وخلال العام المنصرم تبادل الجانبان الزيارات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية وممثلي قطاع رجال الأعمال. كما انعقد في العاصمة العمانية مسقط مهرجان اليمن الثقافي خلال شهر أكتوبر الماضي.
وينظم التعاون في الجانب الاقتصادي اللجنة الوزارية المشتركة التي أنشئت في 1993 وعقدت حتى العام المنصرم ست دورات بالتناوب بين البلدين. ووقع الجانبان خلال هذه الدورات على العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات التي تنظم التعاون الثنائي كاتفاقية حماية الاستثمار المشترك، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية تنمية الصادرات بين البلدين.
وشهدت التجارة بين البلدين نموا ملحوظا فقد صدّرت السلطنة خلال العام المنصرم ما قيمته 160 مليون دولار من المنتجات العمانية فيما صدرت اليمن ما قيمته 5 مليون دولا فقط إلى السلطنة، ويتوقع زيادة حجم الصادرات اليمنية مع تطوير التسهيلات وفتح خطوط المواصلات البرية بين البلدين ليتمكن المنتج اليمني من تصدير الفواكه والخضراوات اليمنية إلى السلطنة. كما تشهد العلاقات الثقافية تقدما مضطردا بتوقيع البلدين على اتفاقية التعاون الثقافي لتعزيز التعاون الإعلامي والبث التلفزيوني وتبادل الخبرات، كذا والتزام السلطنة ببناء المكتبة الوطنية العامة في صنعاء.
ويشهد التعاون الأمني نموا متزايدا من خلال التنسيق بين المؤسسات الأمنية في البلدين في مجالات تبادل المعلومات وملاحقة الجريمة والتهريب، والتنسيق في الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب.
دولة قطر:
شكلت الزيارة الهامة التي أجراها فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح لدولة قطر في يوليو 1996 نقلة نوعية في العلاقات الثنائية اليمنية القطرية، حيث تم الاتفاق على إنشاء اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين للدفع بالعلاقات الثنائية.
ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات بين البلدين تناميا مستمرا في ظل التوجيهات الرشيدة لقيادتي البلدين.وقد شهد العام المنصرم تبادل الزيارات وعلى أعلى المستويات حيث قام وزيرا الخارجية في البلدين بزيارة كل من صنعاء والدوحة، في الوقت الذي تبادلت وفود من وزارتي التربية زيارات عمل رسمية.
كما وتبلور الالتزام القطري لدعم التنمية في اليمن من خلال الدور الذي لعبه الوفد القطري المشارك في مؤتمر المانحين في باريس من خلال تقديم دولة قطر مبلغ تسعين مليون دولار لدعم جهود التنمية في بلادنا.
وترتبط الدولتان بالعديد من الاتفاقيات لتطوير العلاقات الثنائية فقد وقع البلدان على اتفاقيات تتصل بالتعاون الأمني، والصحي، والعلمي والتربوي، واستقدام العمالة.
دولة البحرين:
شهد العام المنصرم خطوات فعلية لتطوير التعاون الثنائي بين اليمن ومملكة البحرين الشقيقة. فخلال شهر مارس 2002 تم التوقيع على اتفاقية إنشاء اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين الشقيقين، وتم في ديسمبر الماضي انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة في المنامة، برئاسة وزيري المالية في البلدين، حيث تم التوقيع على اتفاقيات عديدة أبرزها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، واتفاقية منع الازدواج الضريبي ومنع التهرب من الضرائب على الدخل ورأس المال، واتفاقية التعاون العلمي والتربوي، واتفاقية التعاون الإعلامي، واتفاقية التعاون السياحي، واتفاقية التعاون الفني في مجال المواصفات والمقاييس.
مستقبل العلاقات الإقليمية في منطقة الخليج:
نظرا للمتغيرات التي تشهدها منطقة الخليج بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام في ظل المتغيرات الدولية  والمساعي الحثيثة لإعادة تشكيل النظم القائمة في المنطقة فان منطقة الجزيرة والخليج تجد نفسها في مفترق طرق خطير يتطلب اتخاذ قرارات تاريخية. فالحاجة تستدعي إعادة النظر في واقع ومستقبل مجلس التعاون الخليجي، والبحث في أنجع الأشكال لتحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري والأمني والعسكري بين دول المنطقة والانفتاح المسؤول على العالم، باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد للتماشي مع متطلبات التغيير.
إن العمل الجماعي الخليجي بمختلف مكوناته من دول مجلس التعاون وغيرها من دول المنطقة لصياغة مستقبل الخليج، يستدعي القيام بمبادرات جريئة تنفض الغبار عن النظرة التقليدية من خلال توسيع وتعزيز القاعدة المحلية للدعم السياسي في كل دول المنطقة، ورسم وتفعيل رؤية إيجابية جديدة للمنطقة لإعادة اهتمام العالم بها ليس كبرميل نفط بل كخلية نشاط مؤسسي بين دول المنطقة ومجتمعاتها لإعادة الارتباط بالعالم بما يفتح المجال للمبادرة التاريخية الخليجية الجديدة.
وينبغي على اليمن لعب دور متزايد في مشاريع مستقبل الإقليم، والتركيز على أهمية الاشتراك ضمن ترتيبات إنشاء السوق الإقليمية الخليجية، وتأهيل الاقتصاد اليمني للانخراط في مشاريع التكامل الاقتصادي والعمل على استيعاب اليمن ضمن أية ترتيبات سياسية وأمنية وعسكرية في المنطقة، إلا أن تواجد اليمن ضمن الترتيبات الإقليمية يتطلب مبادرة وتحديث لآليات العمل الدبلوماسي وأداء بعثاتها في المنطقة.

 


  • إقرا ايضاً